قصائد من هناك

المقاله تحت باب  نصوص شعرية
في 
01/02/2010 06:00 AM
GMT



 اليد

في الطفولة
فتحتُ يد الحرف
كي أجد قلم حبرٍ أخضر
فوجدتُ وردة دفلى ذابلة.
وفتحتُ يد النقطة
فوجدتُ دمعة عيدٍ قتيل.
وفي الحرب
فتحتُ يد الحرف
كي أجد طائر سلامٍ
يرفرف فوق روحي التي أربكها
مشهد الدم،
فوجدتُ حفنة رمادٍ
وقصيدة حب مزّقتها الطلقات.
وفتحتُ يد النقطة
فوجدتُ دمعة أم بكت ابنها القتيل.
وفي المنفى
فتحتُ يد الحرف
فوجدت باباً
قادني إلى أربعين باباً
وخلف كل باب
جسد عارٍ شهي ومهان.
وفتحتُ يد النقطة
فوجدتُ نفسي
أكتب قصيدتي التي لا تكفّ
عن الاحتفاء بالبحر والحب والشمس
رغم العواصف والصواعق
وأشلاء السفن التي سدّت عليَّ الأفق
من السرة حتى العنق.


حوار
(1)

حين طرقتُ بوابة مقصورة الطيار
قال الطيار بهدوء:
ماذا تريد؟
هذه رحلةٌ مليئةٌ بالمحاذير
وستستمر دونما توقف.
ولكن كيف دخلت هنا؟
قلت بصوتٍ مرتبكٍ: بالصدفة!
قال: إن أردت أن تتكيف
مع مأساتك الطائرة،
فتذكّر أننا يوماً ما
سنسقط في البحر
أنا وأنت والطائرة!
في الأدق:
أنت والطائرة!
في الأدق:
أنت فقط!

(2)

ثم قال الطيار
بعدما تأمّل مشهد النجوم
الذي كان يتسع ويتسع:
هذه رحلةٌ مليئةٌ بالمتاعب.
لا تحزن إن وجدت
معطفك يحترق دونما سبب،
ولا ترتبك
إن سرقوا جواز سفرك أو نقودك
أو نبضك أو حتى اسمك،
ولا تبك إن أخبروك
بأن المدينة التي حلمت بها
طوال عمرك
قد غرقت واختفت منذ طوفان نوح
أو أن المرأة التي تحب وتعشق
أضحت هباءً منثوراً
أو أن هذه الطائرة التي لا تكفّ
عن الطيران
منذ مليون عام
ستسقط عما قريب
وسط المحيط.


(3)

الآن
أجلس في مكانك:
الكرسي الأخير على اليمين.
ولأن رحلتنا أبدية
حاول أن تغنّي
إن كنت تستطيع الغناء
أو أن تصلّي
إن كنت تستطيع الصلاة
أو تتكلم مع النافذة
حيث الليل يتسع ويتسع
ومشهد النجوم يتسع ويتسع.
وإذا كنت محظوظاً بما يكفي
فحاول أن تنام!


  • • •
ما اسمك أيها الحرف؟


ما اسمك؟
قلت للحرف في مساء شديد الظلام.
قال: بعد هذي السنين الطوال
والانتقال العجيب
من منفى إلى آخر
ومن شظية إلى آخرى
بل من زلزلة إلى أخرى،
وأنت لا تعرفني؟
قلت، كمن يتصنع الهدوء،
لا.
قال: كيف؟
ألم تكتب المئات من القصائد
لتصف الحرف وعرشه
وأساطيره وشموسه وفراته؟
ألست الذي يدعى بالحروفي
أو ملك الحروف
أو النقطوي أو الطلسمي؟
قلت: لا أدري.
قال: إذاً خذها مني،
يا شبيهي المعذّب بالموت والارتباك،
أنا الحاء
حلمك الباذخ بالحب
أيها المحروم حدّ اللعنة،
حلمك المتشظي بالحرية
أيها المنفي إلى الأبد،
وأنا الباء بسملتك
أعني جمرتك التي لم تزل
شوكةً في قلبك،
وأنا النون: بئرك الأولى
وعنوانك المستحيل،
وأنا السين:
طفولتك التي ضيّعتها باكياً
مع دشداشتك اليتيمة
ودراهمك السبعة على باب بغداد
ومحراب بابل.
قلت: وماذا بعد؟
قال: أنا الألف:
جرحك الممهور بالدم والندم
وأنا النقطة:
نبضك الذي يولد كل يوم
في ثوب جديد
ورقص جديد
وعري جديد
وموت جديد
حيّر الأولين والآخرين